نسمة الإسلام نــائب المديــــر
عدد الرسائل : 1266 العمر : 40 العمل : القراءة - الخيل - الشطرنج تاريخ التسجيل : 21/11/2009
| موضوع: مجرد راى: ناس فوق القانون الأربعاء ديسمبر 02, 2009 3:38 pm | |
| ناس فوق القانون!
ضربت عائلة الرئيس مبارك قانون المرور الجديد في مقتل ووأدته بلا رحمة وهو بعد في طور الرعاية الأولي، وكأنهم لم يسمعوا عن كل الهتافات الرسمية التي ظلت تحذر وتتوعد كل من يظن أنه بإمكانه أن يفلت من مساءلة قانون المرور! وما كان القانون المرحوم في حاجة إلي ضربة بهذه القوة لأنه ولد في الأصل ميتاً ولم يكن هناك من ينتظر منه أي خير! فتبدد سريعاً حلم الناس الطيبين الذين صدقوا الفيلم وتخيلوا أنه يمكن أن يروا في مصر قانوناً تُهيأ له القاعدة المادية التي توفر إمكانية تطبيقه ولا تعطي أعذاراً لمن يخرقه،
ولا يرتعد القائمون عليه من رتبة من يخالفون! ولكن، ذهبت السكرة ولم يبق من مولد القانون الجديد سوي الجبايات التي علي الناس أن يدفعوها صاغرين وإلا تعرضوا لضربات حماة القانون الميت!
وأما كيف احتضر القانون ولفظ أنفاسه، وبعد أسبوعين فقط من ميلاده، فكان في ذهاب نجل الرئيس إلي إحدي قري بني سويف في منتصف هذا الشهر، ثم وبعدها بأيام قليلة، عندما قامت السيدة قرينة الرئيس بزيارة مدينة المنصورة.
ي والمايكروباص والنقل المحمل ببضائع طلبتها المحال التي أُجبِر أصحابها علي إغلاقها!
هناك أسئلة مهمة تتعلق بتعطيل مصالح الناس في مثل هذه الزيارات، وأسئلة أخري خاصة بالإنفاق الهائل عليها، وعلي الجهة أو الجهات التي تتولي الصرف، ومن أية بنود، وهل هي من جيوب أشخاص بعينهم أم من المال العام؟ ومن يتخذ قرار اعتماد هذا الإنفاق؟ وهل هناك جهات رقابية تنظر بجدية في هذه الأمور؟ أم أن هذه من الأمور الوطنية المصنفة "سرية للغاية" والتي ليس من حق أحد مناقشتها؟ وهل صدر بخصوص هذه الأمور قرارات بمنع النشر؟ وهل يؤثر طرح هذه المسائل علي سير العدالة؟ وإنْ كان هذا كله، علي أهميته، يخرج عن سياق تناول الاستهانة التي لحقت بقانون المرور.
فأهم معاني القانون في الدول التي تحترمه أنه قاعدة عامة وُضِعتْ ليجري تطبيقها علي الجميع. وبناءً علي هذا التعريف البسيط تتجلي أشياء يمكن أن تدخل في عداد الأساطير والحكايات الخيالية مما يجري في هذه الدول ولا يمكن أن يصدقها الناس الذين يرون مثل ما حدث في بني سويف والمنصورة!
فقد استُدعي إلي المحكمة، في التسعينيات من القرن الماضي، أحد ملوك أوروبا المتوجين أباً عن جد ومَثُل أمام القاضي بعد أن حوّلته النيابة بناءً علي صورة له منشورة في إحدي الصحف تثبت أنه كان يقود سيارته دون أن يستخدم حزام الأمان، وفسر الملك للقاضي أنه فعل هذا طبقاً لنصيحة خبراء الأمن الذين حذروه من أن فك الحزام يستغرق جزءاً من الثانية قد تنجح فيها عملية إرهابية تخطط لإغتياله، ويبدو أن القاضي اعتبرها تلميحاً غير لائق فتجاهل شخص الماثل أمامه لينبهه أين هو، وسأله عن وظيفته، فقال إنه ملك البلاد، فأنهي القاضي الحوار بأن قانون المرور لا يستثني هذه الوظيفة من شرط استخدام الحزام، وأنه ليس أمام الملك إلا أن يطلب من البرلمان أن يعفي وظيفته من هذا الالتزام، ولكن، وحتي ذلك الحين، ليس أمام الملك إلا أن يربط الحزام بالطريقة التي حددها القانون، أو أن يمتنع عن قيادة السيارة بنفسه ويستخدم سائقاً!
وهذا وزير خارجية مرموق في امبراطورية حقيقية وكان في عزّ نجوميته، كان يقود سيارته ليلاً ووقف بناءً علي إشارة المرور الحمراء دون أن يخطئ، ولكنه عند اللون الأخضر تلكأ قليلاً في رد فعله، فارتاب شرطي المرور أن يكون تحت تأثير الكحول، وعندما طلب منه أن يترك له القيادة إلي قسم الشرطة لعمل محضر ولعرضه علي طبيب لأخذ عينة من دمه، قال له المسئول إنه فلان الفلاني، فقال له القائم علي إعمال القانون: "وأنا شرطي!". وأصرّ علي اصطحابه إلي المخفر ثم عرضه علي النيابة الليلية ثم المحكمة التي اكتفت بتوبيخه بعد أن تبين لها أن ملفه يخلو من السوابق! وقال له القاضي إن بلاده شرّفته بأكبر المناصب، وإن هذا يلقي عليه عبئاً إضافياً أن يكون قدوة للناس في احترام القانون، وصرفه من المحكمة بعد أن سمع من الوزير اعتذاراً واضحاً ووعداً بعدم الضعف أمام دعوة الأصدقاء في شرب كأس واحد علي سبيل المجاملة، أو إنه لن يصرف سائقه في هذه الحالة!
وأما الحكاية الثالثة، فهي من الولايات المتحدة الأمريكية، وبعد أكبر حادث إرهابي تعرضت له عبر تاريخها في الحادي عشر من سبتمبر عام 2001، ومع احتياطات الأمن الرهيبة وضع الخبراء خطة محكمة لتأمين البيت الأبيض، تقرر في إطارها إغلاق حارة واحدة فقط من أحد الشوارع العريضة المتقاطعة مع سور البيت، وقصر استخدامها علي قوات الأمن والإسعاف الخاصة بالرئاسة، مما اضطر المواطنين إلي قطع مسافة إضافية للمناورة في الذهاب والعودة، فلجأ المتضررون إلي القضاء الذي أنصفهم وأمر بفتح الحارة لعموم السيارات، لأنه ليس من المعقول أن يستسهل الأمن عمله وأن يجشم الناس عناء اللف والدوران بدلاً من أن يضاعف رجال الأمن جهودهم!
ولكن الغريب أن تنعم السفارة الأمريكية في القاهرة بما لا يحلم به الرئيس الأمريكي في بلاده! ويغلقون لتأمينها أهم شوارع جاردن سيتي!! ولم لا يطلبون ذلك كحق يجب أن يُستحق، ما داموا يرون حركة المرور تتوقف للرئيس وللسيدة قرينته ولنجله، ولرئيس الوزرء والوزراء والمحافظين ورؤساء مجالس المدن وللسادة الباشوات مدراء الأمن ومساعديهم، ولقائمة أسماء ووظائف قابلة للزيادة يومياً؟
والحقيقة أنه، ومقارنة بما قبل المرور الجديد وبعده، فليس هناك اختلاف واحد طرأ علي القواعد المعمول بها في مواكب الرئيس وعائلته والتي لها الأولية علي ما عداها من أمور، ولعل زيارة الرئيس إلي مدينة اكتوبر أثناء امتحانات الثانوية العامة الأخيرة لن تسقط بسهولة من الذاكرة، ففي سبيل حماية مسار موكب الرئيس، حجزت كاردونات الأمن الطلبة من الذهاب صباحاً إلي لجان الإمتحان ولم يلن قلب رجال الأمن لحالات الانهيار التي بدأت تصيب الطلبة الصغار كلما اقترب موعد الامتحان، ولا حتي مع تصاعد البكاء عندما بدأ الامتحان وهم لا يزالون محتجزين في الطريق!
والغريب أن الصحف الحكومية المسماة بالقومية أشادت في اليوم التالي بروح الأبوة التي يتحلي بها الرئيس مبارك، وأنها عنصر أصيل في شخصيته، لدرجة أنه ما أن علم بما حدث حتي أصدر توجيهاته لرئيس الوزراء أن يشرف بنفسه علي الإفراج عن الطلبة وأن يطمئنهم أنهم سيُعوضون عن الوقت بدل الضائع وسيحصلون علي وقت إضافي عملاً بقاعدة تساوي الفرص مع زملائهم الذين لم يتقاطع مشوارهم إلي الامتحان مع موكب الرئيس! | |
|