قال المدير السابق للوكالة الدولية للطاقة الذرية الدكتور محمد البرادعى إن الحملة الشرسة التي شنت ضده في أعقاب الإعلان عن نيته الترشح للانتخابات الرئاسية المقبلة في 2011 ، لم تقلقه، مشيرا إلى أن ما أقلقه وأفزعه أن هذه الأكاذيب جاءت لتؤكد له عمق الانهيار الذى أصاب منظومة القيم فى مصر.
اضاف في الجزء الثالث والأخير من حواره مع صحيفة "الشروق" المصرية المستقلة والذي نشرته في عددها الصادر اليوم الثلاثاء: "إن الشىء الأساسى الذى اختل بشكل واضح في مصر هو القيم الأساسية، حيث أصبح الدين طقوسا وليس جوهرا".
وقال البرادعي: "كلنا نشأنا، مسيحى أو مسلم، على القيم المشتركة، الصدق، الأمانة، تقديس العمل، السماحة، التضامن الاجتماعى، المحبة، هذا كان الإسلام، لم تكن لدينا قيادة دينية تتكلم عن إرضاع الكبير، فى نفس الوقت الذي كانت تكرمنى فيه ملكة هولندا، ويجلس إلى جوارى عالم مصري كبير اسمه نصر حامد أبوزيد، اضطر إلى الخروج من مصر لأن القضاء دخل إلى قلبه ووجد أنه ليس مسلما، وغادر البلاد.. هذه كارثة".
وتابع: يقول الله تبارك وتعالى: "وَلَوْ شَاءَ رَبُّكَ لَآَمَنَ مَنْ فِى الْأَرْضِ كُلُّهُمْ جَمِيعًا أَفَأَنْتَ تُكْرِهُ النَّاسَ حَتَّى يَكُونُوا مُؤْمِنِينَ"، هذا هو الإسلام كما نعرفه، ويقول تعالى: "لَا يَنْهَاكُمُ اللَّهُ عَنِ الَّذِينَ لَمْ يُقَاتِلُوكُمْ فِى الدِّينِ وَلَمْ يُخْرِجُوكُمْ مِنْ دِيَارِكُمْ أَنْ تَبَرُّوهُمْ وَتُقْسِطُوا إِلَيْهِمْ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُقْسِطِينَ"، هذا هو القرآن يوصينا بالكفار، فما بالنا بالمؤمنين؟"
ويرى البرادعي ، إن الممصريين حولوا الدين إلى طقوس وفصلوا أنفسهم عن القيم وعن بقية العالم "اليوم حين يكون رجل مسلم اسمه محمد أو أحمد أو على، يتجنب ذكر اسمه، ويتعين عليه أن يقول أنا لا أنتمى إلى الجماعة الإرهابية.. أصبح الجميع ينظر إلينا نظرة ريبة وشك، لماذا؟ لأن العالم كله يرى صورة الإرهابيين ملثمين ويبررون أعمالهم بالإسلام، ويحتاج الأمر منك إلى سنوات بعد ثبات هذه الصورة فى أذهانهم لكى توضح لهم صورتك، وأن تثبت أن ليس كل المسلمين إرهابيين".
ويضيف: والدى كان رجلا متدينا، يصلى ويصوم، الإسلام كان بالنسبة لنا فى البيت محبة وتسامحا وقدوة، تعلمنا كيف نتعامل مع الفقير، كان لوالدى أصدقاء فى سيدنا الحسين، منهم تاجر مينى فاتورة، صداقات عمر، صداقات طفولة، ما شعر يوما بالتعالى على هؤلاء، كان دائما يجتمع معهم فى محل واحد منهم ويذهبون لصلاة الجمعة أسبوعيا. منهم الأطباء ومنهم أصحاب المحال ومنهم التجار البسطاء، هذا هو الإسلام"
أحوال المصريين
وتحدث البرادعي عن أحوال مصر والمصريين الآن، فقال: "عندما يقولون إننا لا نعرف مشكلاتنا، هذا غير صحيح، لأنه يكفى للشخص أن يضع قدمه فى مصر لمدة خمس دقائق ليعرف بعض أهم مشكلات مصر، لدينا 42 % من الشعب المصرى يعيش تحت خط الفقر المدقع، أى تحت دولار يوميا،
ووفقا لتقارير البنك الدولى، هناك شبه الفقير والفقير، 42% من الشعب المصرى لم يصل به الحظ أن يصعد إلى مستوى الفقر الموجود فى العالم، وهو أن يكون من ضمن ثلث البشرية الذين يعيشون على دولارين فى اليوم، مصر بها 42? من سكانها يعيشون فى الفقر الذى يعيش فيه المليار الأكثر فقرا فى العالم".
وقال: "التعليم غير موجود فى مصر، التعليم الذى تستطيع من خلاله أن تنافس فى التنمية الاقتصادية غير موجود.. فى تقرير التنافسية الدولية كان ترتيب مصر الـ70 نتيجة عدم كفاءة القوى العاملة فى مصر، وفى نوعية التعليم فى الحساب والعلم 128 من 134، وفى نوعية نظام التعليم 126 من 134، إذا كنا نريد أن نتنافس فلن نستطيع ونحن على هذا الوضع مقارنة بالإمارات التى تحتل المركز الـ23"..
وفى تقرير التنمية البشرية الذى يقر بحق الإنسان فى صحة جيدة وأن يكون متعلما، وله دخل معقول، ترتيبنا نزل من 122 إلى 123، ووفقا لتقرير الشفافية ترتيبنا 111 بما يعنى حالة فساد هائل.
عمليا نحن لن نستطيع أن نسير إلى الأمام دون التغلب على الفقر فالفقر هو أقوى أسلحة الدمار الشامل، وهو مرتبط بغياب الحكم الرشيد وبالعنف وبالتهميش وبالحروب الأهلية. لذلك إذا كنت أريد أن أبدأ، يجب أن أبدأ بعلاج المشكلة الأساسية وهى الفقر. وهذا لن يتأتى إلا بالتعليم،
والحكومة تصرف على التعليم ما لا يزيد على 4 % من إجمالى الناتج المحلى. فى الوقت نفسه تركيا هذا العام يستحوذ التعليم على أكبر جزء من إجمالى الناتج المحلى. الصحة فى مصر لا تستحوذ إلا على 1.3 % من إجمالى الناتج المحلى، لابد من تغيير أسبقياتنا، فأولوياتنا يجب أن تكون التعليم والصحة والحكم الرشيد والإدارة.
فى الـ30 سنة الماضية، معدل زيادة دخل الإنسان المصرى فى السنة 1.2%، معدل مذهل، عندنا اختلالات هيكلية فى المنظومة الاقتصادية بالكامل، وضعف الادخار المحلى، تواضع معدل التراكم الرأسمالى وتدنى مساهمة القطاعات الإنتاجية الرئيسية الزراعة والصناعة وتواضع نوعية رأس المال البشرى، والتضخم والعجز المستمر فى الموازنة والدين المحلى الذى يبتلع أكثر من 43 % من الموازنة.
كذلك وصلت البطالة إلى معدلات خطيرة ففى عام 2006، بلغ معدل البطالة 9.3%، من بين النساء 25.1%، ومن خريجى الثانوية 61.8%، ومن خريجى الجامعة 26.8% مقابل 14% فى عام 2004.
يكفى أن نعرف أن الزراعة التى يشتغل فيها 27% من القوى العاملة تسهم بـ15% فقط من الناتج القومى، ولم تحقق سوى 1.8% معدل نمو فى الـ15 سنة الماضية فى الناتج القومى. لن نخرج من عنق الزجاجة إلا من خلال الإصلاح المؤسسى وضمن الإطار القانونى.