فيينا: دعا المدير العام السابق لوكالة الدولية للطقاة الذرية، محمد البرادعي، الرئيس المصري حسنى مبارك لإنشاء لجنة تأسيسية لوضع دستور جديد على أن تكون هذه اللجنة بالانتخاب المباشر، وتضم خبراء القانون الدستورى.
وتأتي الدعوة وسط احتدام الجدل داخل الاوساط السياسية والشعبية في مصر حول شروط الترشح للانتخابات الرئاسية المقرر إجراؤها عام 2011 في ظل حالة الغموض التي تخيم على موقف الرئيس مبارك بشأن ترشحه لهذه الانتخابات.
كما تأتي دعوة البرادعي الجديدة في أعقاب الحملة الشرسة التي شنت ضده من قبل الإعلام الرسمي أو المحسوبين عليه خاصة بعد بيانه الشهير والذي ألمح خلاله إلى إمكانية ترشحه للرئاسة، إذا تحققت شروط معينة.
وتتمثل شروط البرادعي لخوض المنافسة على الرئاسة في "إنشاء لجنة قومية مستقلة ومحايدة تتولى تنظيم الانتخابات، والإشراف القضائي الكامل على مراحل الانتخابات وعملية الاقتراع، ووجود مراقبين دوليين من الأمم المتحدة لرصد مراحل الانتخابات وضمان سيرها بصورة سليمة، وأن تكون عملية الترشح مكفولة لكل مواطن مصري، إضافة إلى مراجعة لوائح الناخبين".
وقال البرادعي في حوار لصحيفة "الشروق" المصرية نشرته في عددها الصادر اليوم الخميس: "الدعوة لتغيير الدستور ليس بدافع تغيير المواد المتعلقة بطريقة انتخاب رئيس الجمهورية، ولكن لصياغة وضع سليم يقوم على إعادة فرز القيم المجتمعية القائمة فى الوقت الحالى".
اضاف: "يجب النظر إلى المستقبل، لأن تعديل الدستور لانتخاب الرئيس هدف قصير الأمد، ولن يؤدى إلى حل مشاكلنا لأنه من الممكن أن يأتى المستبد العادل عن طريق هذا الدستور".
وتابع: "يجب أن تكون هذه اللجنة، وفقا للبرادعى، معبرة عن جميع انتماءات الشعب من أقصى اليمين إلى أقصى اليسار، لأن وظيفتها ستكون إعداد دستور جديد لا يقوم على نظام اجتماعى هش".
وأكد البرادعى: "المسألة لا تتعلق بمن سيُرشح فى 2011، ولكن بالقيم التى يود المجتمع أن يعيش فى ظلها، وبرؤيته لما يجب أن يكون عليه فى العشرين أو الثلاثين سنة المقبلة"، بحسب تعبيره مشيرا إلى أن المصدر الأساسى لتحقيق ذلك هو دستور جديد.
ولذلك، كما يقول البرادعى، "إذا كنا نريد أن نبدأ بداية جديدة وجدية فى مصر، يجب علينا أن نتوقف عن الحديث عن تعديلات لإزالة عوائق قانونية ودستورية فقط، لأن مثل هذه التعديلات قد تساعدنا فى انتخاب رئيس فى ظروف نزيهة فى عام 2011، إلا أنها تبقى مجرد عملية ترقيع. المهم هو ما يأتى بعد ذلك، فالأمر لا يتعلق بشخص واحد فقط، وإنما بمصير وطن".
يذكر ان صلاحيات رئيس الجمهورية في الدستور المصري الحالي تصل إلى 62 في المئة من الصلاحيات الدستورية، بما يسمح له بحسم الصراع مع أية قوى.
كما أن التعديلات الدستورية التى أجريت على الدستور فى 2005 ثم فى 2007 ، تجعل شروط الترشح للرئاسة تنطبق على الرئيس مبارك أو نجله فقط وتعيق نزاهة الانتخابات، حسبما يقول فقهاء دستوريون.
ومعروف أن الدستور بصيغته الحالية لا يتيح فرصاً تذكر للبرادعي للترشح للرئاسة، كما يرفض الحزب الوطني الديموقراطي الحاكم المسيطر على البرلمان الحديث عن أي تعديل دستوري جديد لتخفيف الشروط التي يفرضها الدستور على الترشح.
ومن هنا يحدد البرادعى القيم الأساسية التى يجب أن يقوم عليها الدستور الجديد، وهى حق الإنسان فى حياة كريمة، وحقه فى حياة حرة، وتحقيق العدالة الاجتماعية.
وحذر البرادعى من تفاقم الفقر فى مصر باعتباره"أقوى أسلحة الدمار الشامل"، بحسب تعبيره، وهو الذى يرتبط فى رأيه بغياب الحكم الرشيد، وأقصر الطرق إلى التهميش والعنف والحروب الأهلية والحروب الإقليمية.
ويعبر البرادعى عن قلقه إزاء عواقب اهتراء الطبقة الوسطى، التى يعتبرها حزام المجتمع، لما سيؤدى إليه هذا الاهتراء من أن تصبح القيمة الأساسية التى تحكم مصر هى السلطة أو المال وليس العلم.
من جهة أخرى يرى البرادعى، أن مصر تحتاج إلى إجراء عملية "مصالحة ومصارحة وطنية" يجوز أن تسير بالتوازى مع عملية صنع الدستور، "لكى يصدر فى النهاية معبرا عن حقيقتنا وليس عن القناع الذى نضعه".
والمصارحة الوطنية، تعنى وفقا له، "الاعتراف بأخطائنا التى ارتكبناها ولم نتعلم منها، فليس من العيب ان نعترف بأخطائنا، لأننا لن نتعلم إلا إذا اعترفنا بها".
وأوضح البرادعى أن كلامه لا يعنى محاسبة أحد فى الوقت الحالى، لأننا "لا نستطيع فى هذه المرحلة أن نتحول بنظرنا من المستقبل إلى الماضى، فمشاكلنا اليوم أكبر بكثير من أن نتطرق منها إلى محاكمات وعقوبات، الماضى له ما له، على الأقل فى المرحلة الحالية. دعونا ننظر إلى مصر بمشاكلها الثقيلة، وكيف نسير بها إلى الأمام".
تعديل الدستور
كانت المطالبات بتعديل الدستور عادت لتتصدر واجهة الأحداث في مصر، على خلفية الجدل الذي أثاره بيان البرادعي ورغبته المشروطة في الترشح للرئاسة.
ودعا كتاب ومثقفون مصريون إلى إعادة النظر في المادة 76 من الدستور التي تحدد شروطاً للترشح للانتخابات يراها مراقبون "عوائق تمنع التنافس الحر".
ويرى فقهاء دستوريون أن "تعديل المادة 76 من الدستور جاء على نحو لم تشهده الدساتير، لأنها أكبر مادة من حيث التفصيلات التي تحول دون أي منافسة سياسية جادة وحقيقية على موقع الرئاسة، وهو الأمر الذي يشكل عقبة كؤود أمام البرادعي أو غيره من المصريين الذين يمكن أن نرى فيهم مرشحين محتملين، لأن غالبية هؤلاء ليست لديهم أواصر عضوية بقوى اجتماعية وحزبية وسياسية في البلاد تتيح لهم الترشح... مما يؤكد عوار الدستور وصحة الانتقادات الموجهة إلى البنية المختلة لنظامنا الدستوري".
وتشترط المادة 76 من الدستور لقبول أوراق أي مرشح مستقل "أن يؤيده للترشح 250 عضواً على الأقل من الأعضاء المنتخبين لمجلسي الشعب والشورى (البرلمان) والمجالس الشعبية المحلية للمحافظات"، وهو شرط يصعب على البرادعي أو غيره الوفاء به في ظل سيطرة الحزب الحاكم على هذه المجالس.
وهو ما جعل العديد من السياسيين يعتبرون أن ما اسموه بـ "مخطط التوريث" قادم لا محالة في ظل القيود التي وضعتها المادة 76من الدستور، مؤكدين أن إعلان البرادعى الترشح لرئاسة مصر عبارة عن نظرية رومانسية غير قابلة للتحقيق.
أما بالنسبة إلى مرشحي الأحزاب، فينص التعديل الدستوري على أن الأحزاب "التي مضى على تأسيسها خمسة أعوام متصلة على الأقل قبل إعلان فتح باب الترشح، واستمرت طوال هذه المدة في ممارسة نشاطها مع حصول أعضائها في آخر انتخابات على نسبة 5 في المئة على الأقل من مقاعد المنتخبين في كل من مجلسي الشعب والشورى، فيحق لها أن ترشح لرئاسة الجمهورية أحد أعضاء هيئتها العليا متى مضت على عضويته في هذه الهيئة سنة متصلة على الأقل".
وهذا البند لن يستفيد منه البرادعي، إذ إنه ليس عضواً في أي من الأحزاب، كما أعلن في وقت سابق أنه لن يخوض الانتخابات إلا مستقلاً. واعتبر أن "الدستور المصري يفتقد الشرعية، بسبب حرمان غالبية المواطنين من الترشح". وجدد رفضه خوض الانتخابات من دون تعديل الدستور، مؤكداً استعداده لـ "التحرك السلمي المنظم لتغيير الدستور".