الخرطوم - وكالات: ذكرت تقارير صحفية أن بوادر أزمة دبلوماسية تخيم حاليا على العلاقات بين الخرطوم وباريس، في أعقاب القرار الذي اتخذه الرئيس الفرنسي نيكولا ساركوزي بتأجيل القمة الفرنسية الافريقية "الفرانكفونية" عن الموعد المقرر لها ونقلها من شرم الشيخ الى باريس لإغلاق الباب أمام مشاركة الرئيس عمر البشير في القمة.
اضافت التقارير ان الاعلان عن الزمان والمكان الجديدين لانعقاد القمة الافروفرنسية، جاء بعد قمة فرنسية مصرية جمعت الرئيس المصري حسني مبارك وساركوزى بباريس، وهى القمة التى كانت فرنسا تضع عليها آمالا كبيرة فى تليين الموقف المصرى الصلب تجاه حضور البشير للقمة.
ومارست باريس ضغوطا دبلوماسية خلال الاشهر الماضية كى تتراجع القاهرة عن دعوة البشير لحضور القمة، حيث أوفد ساركوزي وزير الداخلية الفرنسي بريس هورتفو إلى القاهرة في اكتوبر/تشرين الاول الماضي لمحاولة اقناع مبارك بإلغاء الدعوة وفشل موفد ساركوزى فى ذلك.
وكانت مسالة مشاركة البشير، الذي صدرت مذكرة توقيف دولية بحقه لاتهامه بارتكاب جرائم حرب في دارفور، طرحت معضلة دبلوماسية لباريس والقاهرة خلال الشهور الأخيرة.
انها في المقابل الموافقة على مشاركة الرئيس السوداني في هذه القمة.
وكان وزير الخارجية المصري أحمد أبو الغيط قد أكد في تصريحات صحفية أمس الأول أن القمة الأفريقية الفرنسية ستعقد في فرنسا وليس في شرم الشيخ في مصر كما كان مقرراً، لتفادي حضور البشير.
وأوضح أن احتمال حضور الرئيس السوداني الذي أصدرت بحقه المحكمة الجنائية الدولية مذكرة اعتقال بتهمة ارتكاب جرائم حرب وجرائم ضد الإنسانية في إقليم دارفور، غرب السودان، شَكَّل معضلة دبلوماسية بين باريس والقاهرة خلال الأشهر الأخيرة.
حيث أكدت مصر المكلفة بتنظيم القمة الأفريقية الفرنسية في منتجع شرم الشيخ في فبراير/شباط المقبل، أنها لا تستطيع تجاهل دعوة البشير، الأمر الذي رفضته فرنسا التي تعتبر أحد أبرز الأطراف المؤيدين للمحكمة الجنائية الدولية علي المستوي الدولي.
وكان وزير الدولة الفرنسي للتعاون الان جويانديه قال الثلاثاء إن قمة فرنسا- افريقيا ستعقد في فرنسا في مايو/آيار المقبل على الأرجح وهو ما أكده قصر الاليزيه بعد ذلك.
بوادر أزمة دبلوماسية
في هذه الأثناء، نفت الخارجية السودانية أي اتجاه لطرد السفير الفرنسي، وقال الناطق باسم الخارجية السودانية معاوية عثمان خالد إن الموقف الفرنسي حول قمة الفرانكفونية من السودان هو موقف معزول مقارنة مع المواقف الإفريقية.
ونقلت موقع "الفضائية السودانية" الالكتروني عن معاوية قوله: "إن فرنسا تمارس عقلية استعمارية قديمة. واضاف: هذا موقف غير متوزان وغير عقلاني".
وأشار معاوية الى أن موقف القاهرة ليس بجديد ولا بمستغرب من مصر الشقيقة التي ظلت على الدوام نصيرة ومؤازرة للسودان في قضاياها العادلة . كما أن موقفها يأتي متسقا مع المواقف الإفريقية والعربية الرافضة لادعاءات ما يسمى بالمحكمة الجنائية الدولية ضد السودان.
لكنه قال ان الموقف الفرنسي سيزداد عزلة يوما بعد الآخر في مقابل الموقف الإفريقي المتماسك وسيمتد أثر هذه المواقف الفرنسية غير المُتعقِّلة التي تلقي بصخور جديدة على مسار التسوية السلمية في دارفور سيمتد أثرها السالب إلى كل الحزام الإقليمي للسودان من ناحيته الغربية.
ونصح باريس بضرورة مراجعة سياساتها ومواقفها المتعنتة من السودان (الآن أكثر من أي وقت مضى) كما عليها أن تدرك أن هنالك شراكات جديدة بدأت تتشكل في إفريقيا مثل الصين وإفريقيا، روسيا وإفريقيا، أمريكا اللاتينية وإفريقيا وهي شراكات بعيدة عن كل الآثار الاستعمارية وتبشر بإحداث نهضة كبيرة وحقيقية في إفريقيا يحتاجها المواطن الإفريقي.
وكشفت مصادر مطلعة في الخرطوم أن "قيادات نافذة في الحكم تدرس الموقف الفرنسي بعد تلقيها معلومات عن دعم باريس تحالف المعارضة وممارستها ضغوطاً على مصر لعدم دعوة البشير إلى القمة الفرانكفونية، مما اضطرها إلى الاعتذار عن عدم استضافتها بعدما تمسكت بدعوة البشير". ولم تستبعد تلك المصادر أن يصل رد الحكومة إلى طرد السفير الفرنسي من الخرطوم.
إشادة بالموقف المصري
يرى مراقبون سودانيون أن مصر بهذه الخطوة تؤكد بان زيارة البشير الاولى للقاهرة بعد قرار الجنائية كانت رهاناً صائباً على ثقل مصر الاقليمى والدولى فى مواجهة الحملة الشرسة التى يتعرض لها ، وتأكد ذلك فى القمة العربية والافريقية وقمة دول عدم الانحياز والقمة الافريقية الصينية التى استضافت مصر بعضها واستطاعت ان تحشد موافقة الدول العربية والافريقية وعدداً من البلدان الاسيوية والامريكية الجنوبية فى صعيد مناهض للمحكمة الجنائية الدولية.
وحسبما ذكرت صحيفة "الراي العام" السودانية، فإن المراقبين يرون فى الموقف المصرى بداية فتور فى العلاقات مع فرنسا التى عادة توصف بالتاريخية بين البلدين المهمين على جانبي البحر المتوسط وذهب البعض الى ان التقارب الاستراتيجى بين مصر والولايات المتحدة وبرود العلاقة الفرنسية الامريكية فى الفترة الاخيرة دفعت مصر الى اتخاذ هكذا مواقف تبدو فيها مصر اكثر ندية لفرنسا،
فضلا عن المصالح القومية لمصر وارتباطها مع السودان جعل من ملف السودان غير قابل للمساومة مع اى قوى دولية، كما ان مجال القاهرة الحيوى فى محيطها الافريقى غير خاضع للنفوذ الفرنسى كما فى العديد من الدول الافريقية الفرانكوفونية مما يمنحها حرية للمناورة السياسية مع فرنسا.
اضافت الصحيفة، ان التشدد الفرنسى يشير الى تصعيد فى توتر العلاقات الفاترة اصلا بين البلدين، حيث ترى صحيفة "لو فيجارو" الفرنسية فى تغطيتها لخبر نقل القمة، بأن البشير هو المرشح المفضل للرئاسة فى ابريل المقبل فى السودان والأوفر حظا فى الفوز بها، وبالتالى التوتر فى العلاقة مع فرنسا سوف يستمر، ومن شأنه ان يلقى بظلاله على العلاقات السودانية التشادية المتوترة لان تشاد يمكن ان تستجيب للضغوط الفرنسية على نحو أسهل من مصر.