لا رفث ولا فسوق ولا جدال فى الحج
ينبغي لكل مُحرِم بالحج أن يلتزم آدابًا رفيعة تجعله في محل المناجاة العُلوية مع الخالق جل شأنه، وتصل بالحاج إلى مراقي الكمال الروحي والسلوكي والأخلاقي مع ربه ثم نفسه ثم الناس.
قال الله تعالى: {الْحَجُّ أَشْهُرٌ مَعْلُومَاتٌ فَمَنْ فَرَضَ فِيهِنَّ الْحَجَّ فَلَا رَفَثَ وَلَا فُسُوقَ وَلَا جِدَالَ فِي الْحَجِّ وَمَا تَفْعَلُوا مِنْ خَيْرٍ يَعْلَمْهُ اللَّهُ وَتَزَوَّدُوا فَإِنَّ خَيْرَ الزَّادِ التَّقْوَى وَاتَّقُونِ يَا أُولِي الْأَلْبَابِ} [البقرة: 197].
وقد أشارت الآية الكريمة إلى ثلاثة جوانب أساسية، هي:
1- النهي عن الرَّفَث:
والرفث هو الجماع ودواعيه، فيحرم على الحاج المعاشرة الزوجية ومقدماتُها.وقد جاء الرفث بمعنى الجماع في قوله تعالى: {أُحِلَّ لَكُمْ لَيْلَةَ الصِّيَامِ الرَّفَثُ إِلَى نِسَائِكُمْ} [البقرة: 187].
وذكر ابن جرير أن عبد الله بن عمر -رضي الله عنهما- كان يقول: "الرفث إتيان النساء، والتكلم بذلك للرجال والنساء إذا ذكروا ذلك بأفواههم".
2- النهي عن الفسوق:
والفسوق هي معاصي الله ، سواء كانت متعلقة بالإحرام أو عامة لكل ما نهى الله عنه، فهناك محظورات للإحرام كقتل الصيد، ولبس المخيط، وتقليم الأظفار، واستعمال الطِّيب، وغير ذلك.
ويدخل في الفسوق كل معصية، فالحاج الذي ترك الأهل والوطن، وتحمل المشاقّ في النفس والمال يجدُر به أن يواصل مسيرة النقاء والطهر، وينأى بنفسه عن كبائر الذنوب وصغائرها، فلا يُزاحم ولا يظلم في بيعه وشرائه، ولا يبخس الناس أشياءهم، ولا يسيء إلى أحد.
وإذا كان اجتناب المعاصي واجبًا في كل وقت إلا أنه في وقت الإحرام بالحج ألزم؛ ولهذا كان مجرد نية السوء في الحرم تُحمِّل صاحبَها وزرًا كبيرًا وذنبًا عظيمًا، قال تعالى:
{وَمَنْ يُرِدْ فِيهِ بِإِلْحَادٍ بِظُلْمٍ نُذِقْهُ مِنْ عَذَابٍ أَلِيمٍ} [الحج: 25].
3- النهي عن الجدال في الحج:
وهذا النهي له معنيان:
الأول: لا جدال في مشروعية الحج وفرضيته وحكمة مناسكه، فهذا أمر مقرَّر شرعًا بنصوص صحيحة وصريحة لا تحتمل تأويلاً.
إن هناك افتراءاتٍ يرددها أصحاب المذاهب الهدَّامة، وغرباء الفكر حول مناسك الحج ويصفونه بأنه من بقايا الجاهلية، ويتناسَوْنَ أن شريعة الحج عرفتْها رسالات الله إلى البشر قبل الإسلام، وأن البيت الحرام بمكة المكرمة هو بناء إبراهيم وإسماعيل عليهما السلام، وأن دعوة إبراهيم الخليل ما زالت تُؤتي ثمارها الطيبة المباركة، وستظل بمشيئة الله إلى أن يرث الله الأرض ومَن عليها، قال تعالى:
{وَأَذِّنْ فِي النَّاسِ بِالْحَجِّ يَأْتُوكَ رِجَالًا وَعَلَى كُلِّ ضَامِرٍ يَأْتِينَ مِنْ كُلِّ فَجٍّ عَمِيقٍ (27) لِيَشْهَدُوا مَنَافِعَ لَهُمْ وَيَذْكُرُوا اسْمَ اللَّهِ فِي أَيَّامٍ مَعْلُومَاتٍ عَلَى مَا رَزَقَهُمْ مِنْ بَهِيمَةِ الْأَنْعَامِ فَكُلُوا مِنْهَا وَأَطْعِمُوا الْبَائِسَ الْفَقِيرَ (28) ثُمَّ لْيَقْضُوا تَفَثَهُمْ وَلْيُوفُوا نُذُورَهُمْ وَلْيَطَّوَّفُوا بِالْبَيْتِ الْعَتِيقِ} [الحج: 27- 29].
فلا مراء في مشروعية الحج، ولا مناقشة في رُكْنِيَّتِه، ولا خلاف في آثاره المباركة.
المعنى الثاني: لا مجال للمخاصمة والمنازعة في موسم الحج، فالمسلم حريص على أن يُسالم الزمان والمكان والبشر والمخلوقات كلها.
فالزمان من الأشهر الحرم، والمكان هو البيت الحرام، ومَن دخله كان آمنًا، وحُرم صيد البر أثناء الإحرام. وهكذا فالمناسبة كلها مناسبة سلام وأمن وإخاء وصفاء مع الله، ثم مع النفس، ثم مع الآخرين.