زيارة سعد الحريري لدمشق تحمل دلالات غاية في الأهمية ليس فقط لما لها من انعكاسات إيجابية على العلاقات بين البلدين وإنما لأنها تعطي أيضا مؤشرات قوية على براءة سوريا من دم والده ، حيث أنه من غير المعقول أن يقوم رئيس الحكومة اللبنانية بتلك الزيارة وهو تساوره أية شكوك في هذا الصدد .
وكان سعد الحريري وصل إلى دمشق يوم السبت الموافق 19 ديسمبر في أول زيارة له لسوريا لينهي 5 سنوات من القطيعة السياسية في أعقاب اغتيال والده رئيس الحكومة اللبنانية الأسبق رفيق الحريري في العام 2005 وتوجيه أصابع الاتهام في العملية إلى دمشق.
الزيارة السابقة لم تكن مفاجئة لكثيرين ، حيث سبقتها أمور عدة ترجح حدوثها من أبرزها التقارب السعودي السوري والذي ظهرت أول ثماره في حل أزمة تشكيل الحكومة اللبنانية.
هذا الأمر سريعا وبشكل إيجابي على الوضع العربي بشكل عام وظهرت بوادره في ولادة الحكومة اللبنانية المتعثرة في 9 نوفمبر / تشرين الثاني .
وبعد ذلك وتحديدا في 2 ديسمبر / كانون الأول ، أقرت الحكومة اللبنانية الجديدة برئاسة سعد الحريري بيانها الوزاري الذي يعترف بشرعية المقاومة وسلاح حزب الله للدفاع عن لبنان ضد أي هجوم إسرائيلي .
وجاء في البيان الوزاري الذي تحفظ عليه خمسة وزراء مسيحيين أنه تقرر استمرار العمل بالصيغة الحالية للبند المتعلق بسلاح حزب الله وهى الصيغة التي كان معمولا بها في الحكومة السابقة من حيث تأكيد حق لبنان بشعبه وجيشه ومقاومته في تحرير أرضه والدفاع عنها.
وأضاف البيان قائلا :" انطلاقا من مسئوليتها في المحافظة على سيادة لبنان واستقلاله ووحدته وسلامة أراضيه ، تؤكد الحكومة حق لبنان بشعبه وجيشه ومقاومته في تحرير أو استرجاع مزارع شبعا وتلال كفرشوبا والجزء اللبناني من قرية الغجر والدفاع عن لبنان".
البيان الوزاري السابق والذي كان ثمرة ثانية للتقارب السوري السعودي حسم قضية سلاح المقاومة التي كانت في السنوات الأخيرة وقودا لإشعال الأزمات بين فريقي 14 و8 آذار ، وسرعان ما أعلن سعد الحريري في البرلمان اللبناني بعد نيل حكومته الثقة في 10 ديسمبر أنه يتطلع إلى علاقات لبنانية سورية تفرضها الروابط الأخوية والمصالح المشتركة وتقوم على قواعد الثقة والمساواة واحترام سيادة البلدين .
مذكرات الاستدعاء
تقارب سوري سعودي
وفي 19 من الشهر ذاته ، قام الحريري بزيارة تاريخية لدمشق ليفتح صفحة جديدة في علاقات البلدين ، بل ويرجح البعض أن موضوع مذكرات الاستدعاء سيجد طريقه للحل خلال الزيارة .
وكان القضاء السوري أصدر مطلع ديسمبر مذكرات استدعاء للاستجواب بحق عدد من كبار المسئولين اللبنانيين الحاليين والسابقين إلى جانب عدد من القضاة والصحفيين والناشطين السياسيين والضباط وذلك على خلفية اتهامهم بتقديم "شهادات زور" في قضية اغتيال رفيق الحريري .
شملت المذكرات كل من الوزراء السابقين مروان حمادة وشارل رزق وحسن السبع والنائب السابق إلياس عطا الله، بالإضافة إلى القضاة سعيد ميرزا، وصقر صقر، وإلياس عيد، واللواء أشرف ريفي قائد الأمن الداخلي وعدد من الضباط ، بالإضافة إلى صحفيين لبنانيين وعرب بينهم الكويتي أحمد الجار الله صاحب صحيفة السياسة الكويتية والقاضي الألماني ديتليف ميليس الرئيس الأسبق للجنة التحقيق الدولية ومساعده الألماني جيرهارد ليمان، وأخيرا ، شملت المذكرات نائب الرئيس السوري السابق عبد الحليم خدام الذي انشق عن نظام دمشق قبل سنوات .
وبالنظر إلى أن معظم الشخصيات الواردة في المذكرات على صلة برئيس الحكومة اللبنانية سعد الحريري ، فإنها كانت ضمن جدول أعماله في دمشق ، بل وكشفت هيئة الإذاعة البريطانية "بي بي سي" أن السعودية تدخلت لدى الجانب السوري بشأن هذه الاتهامات.
وأيا كانت النتائج في هذا الصدد ، فإن الزيارة التاريخية تؤكد اقتناع كافة القوى السياسية اللبنانية أخيرا بأن إسرائيل هى الخطر على أمن واستقرار بلدهم خاصة بعد نجاح القوات الأمنية اللبنانية مؤخرا بمساعدة حزب الله في الكشف عن العشرات من شبكات التجسس التي طالما نفذت تفجيرات وعمليات اغتيال عديدة وألقت بمسئوليتها على سوريا.
أيضا فإن الزيارة تزامنت مع تهديدات إسرائيلية متواصلة بشن حرب جديدة على لبنان ، بجانب استمرار انتهاكاتها اليومية للأجواء اللبنانية ، وهو ما أكد للجميع أن إسرائيل لا تستهدف حزب الله فقط وإنما لبنان بكافة طوائفه وأطيافه السياسية.
وفي ضوء ما سبق ، يتأكد أن حكومة نتنياهو هي الخاسر الأكبر من التطورات الأخيرة ، فأي تفكير في مغامرة عسكرية جديدة ضد حزب الله أو سوريا قد تكون عواقبها على إسرائيل أشد مما حدث في حرب تموز 2006 لأن هناك توافقا في لبنان الآن حول سلاح المقاومة ، بالإضافة للتقارب الذي يزداد يوما بعد يوم بين دمشق والرياض وبيروت.